الفراشة
تأليف الأديب التركي : جنيد سعاوي
ترجمة : أور خان محمد علي
في احد أيام شهر حزيران (مايو) انطلقت بقاربي إلى البحر من أمام بيتنا الصيفي في قرية (هركة) .. كان الجو جميلاً جداً ، ولم يكن هناك ريح أو موج ، وبدأ قاربي الصغير يرسم خطوطا مستقيمة على صفحة الماء وينطلق مسافة جيدة في كل تجديفة اجدفها . ولعلي أعتمدت على السرعة فلم أبال بالابتعاد عن الساحل .
ابتعدت عن الساحل حتى انقطعت عني الأصوات ثم القيت بالمرساة وبدأت اصيد .. أحيانا كانت ثلاثة أو اربعة من اسماك ( الأسقمري ) تهجم على الصنارة التي صنعتها بيدي وأحيانا كنت اصيد أنواعا اخرى .
بعد نصف ساعة أحسست بريح خفيفة ، فلم أحفل بها ثم اشتدت بعد قليل ، قلت في نفسي ( هذه الريح لن تدوم .. ستسكن بعد قليل ) ولكنها انقلبت إلى عاصفة بعد فترة قليلة. انزويت في ركن من القارب وأنا في حيرة لا ادري ماذا افعل .. كنت أخشى سحب المرساة ، لان القسم الأمامي منه كان قد قارب سطح الماء وكنت قد سمعت بأن القارب في هذا القسم الأمامي- ولا سيما وأن الأمواج تهب من جهة رأس القارب – سيمتلئ بالماء في وقت قصير، وحتى لو سحبت المرساة، فإنني لم أكن أقوى على مغالبة هذه الأمواج بمجدافي القارب اللذين لوحتهما الشمس حتى تحولا إلى ما يشبه عظمة هشة وضعيفة.
وعلاوة على هذا فقد بدأت ارتجف نتيجة تبللي بقطرات الماء التي كانت تتطاير من الرياح، والاهم من كل هذا أنني لم اكن قادرا إلا على سباحة بضعة أمتار فقط .
وبدأت أتطلع عَلّي أبصر سفينة أو قاربا مارا بالقرب مني وأنا أدعو الله تعإلى .
-أنقذني يا رب! ... وأنقذ كل ملهوف مثلي .
لا ادري كم لبثت في تلك الحالة وأنا أدعو الله تعإلى ... ولكن أذكر أنني جفلت عندما مر شيء بالقرب من وجهي حتى كاد أن يلامسه .. كان هذا فراشة بيضاء تطوح بها الرياح كورقة خفيفة ذات اليمين وذات الشمال، ولكنها كانت مستمرة في طيرانها بشجاعة في اتجاه الساحل على الرغم من ضعفها .
أحسست فجأة بارتفاع معنوياتي ، واعتقدت ان الله تعإلى أرسلها مرشدة لي. وبسرعة سحبت المرساة وبدأت أجدف نحو الساحل وأنا اتابع هذه الفراشة بنظري .. جدفت بكل قوتي حتى احسست بأن عضلات يدي تكاد أن تنفجر ، وبعد نصف ساعة وصلت إلى الساحل .
كان افراد البيت قد قلقوا علي وبدأوا يراقبون البحر بمنظار مقرب وشاهدوا ( شجاعتي) وأنا اجدف في تلك العاصفة وبدأو يفخرون بأبيهم الشجاع . على أي حال وصلت الساحل وسحبت القارب ورميت بنفسي لاهثاً قرب مائدة الافطار في حديقة المنزل ...
بدأت اتطلع فيما حوالي وأنفاسي تتلاحق وأنا اشعر بأنني ولدت من جديد ، أو رجعت إلى الدنيا من جديد . رأيت فراشة بيضاء وهي تتشمس فوق زهرة اسفل شجرة الزيتون.
ورايت ان بنتي الصغيرة تريد ان تلف من ورائها بصمت لكي تقبض عليها ... كان صوتي قد بح منذ ساعة من الخوف ، ولكني حيال هذا المنظر أحسست برجوع قوة صوتي ، لذا هتفت بقوة منبهاً ومحذراً إياها مما تريد الإقدام عليه ...
توقفت ولكنها استدارت وسألتني وهي تبتسم :
-هل هناك مخلوق أضعف من الفراشات في نظرك يا والدي ؟
قلت وأنا احس برجوع بحة صوتي :
-بلا شك يا بنيتي! ... بلا شك ... هناك الكثير ... وأحدهم هو الواقف أمامك .