03-23-2010, 09:38 AM | المشاركة رقم: 1 |
|
المنتدى :
باب الفنون المسرحية
قراءة في مسرحية «السلطان الحائر» لتوفيق الحكيم
توفيق الحكيم توفيق الحكيم (9 أكتوبر 1898 - 26 يوليو 1987)ولد فى الإسكندرية و توفى في القاهرة. كاتب وأديب مصري، من رواد الرواية والكتابة المسرحية العربية ومن الأسماء البارزة في تاريخ الأدب العربي الحديث، كانت للطريقة التي استقبل بها الشارع الأدبي العربي نتاجاته الفنية بين اعتباره نجاحا عظيما تارة وإخفاقا كبيرا تارة أخرى الأثر الأعظم على تبلور خصوصية تأثير أدب وفكر الحكيم على أجيال متعاقبة من الأدباء ،وكانت مسرحيته المشهورة أهل الكهف في عام 1933 حدثا هاما في الدراما العربية فقد كانت تلك المسرحية بداية لنشوء تيار مسرحي عرف بالمسرح الذهني. بالرغم من الإنتاج الغزير للحكيم فإنه لم يكتب إلا عدداً قليلاً من المسرحيات التي يمكن تمثيلها على خشبة المسرح فمعظم مسرحياته من النوع الذي كُتب ليُقرأ فيكتشف القارئ من خلاله عالماً من الدلائل والرموز التي يمكن إسقاطها على الواقع في سهولة لتسهم في تقديم رؤية نقدية للحياة والمجتمع تتسم بقدر كبير من العمق والوعي مسرحية «السلطان الحائر» لتوفيق الحكيم صدرت مسرحية "السلطان الحائر" لتوفيق الحكيم عام 1960م، وتدور أحداث المسرحية حول سلطان من سلاطين المماليك علم أن الناس في مدينته يلغطون أنه لم يزل عبداً، وأن سيده السابق لم يعتقه، ولهذا لا يحق له أن يحكم ويكون سلطاناً على الناس قبل أن يُعتق ويصير حرا. ويتحيّر السلطان بين استعمال القوة لإسكات الناس (وهذا رأي الوزير)، والاحتكام إلى القانون (وهذا رأي القاضي). والاحتكام إلى القانون يعني أن يُعرض السلطان في مزاد عام أمام الناس ليشتريه من يشتريه فيعتقه، وقد تردّد السلطان بين الرأيين، ولكنه قرر في النهاية أن يكون القانون هو الحكم: السلطان: قررت أن أختار .. أن أختار .. الوزير: ماذا يا مولاي؟ .. السلطان: (صائحاً في عزم) القانون! .. اخترت القانون! .. ~~~~~~~~~~~~~~ وتم المزاد، وكان السلطان من نصيب غانية سيئة السمعة بالمدينة، ورفضت تلك الغانية التوقيع على وثيقة العتق، وبعد أخذ ورد وافقت الغانية على شراء السلطان والتوقيع على صك عتقه إذا أذّن المؤذن لصلاة الفجر! وتستضيف الغانية السلطان في بيتها، ويدور بينهما حوار يكشف شخصيتيهما، فقد اكتشف السلطان أن الغانية بريئة من تهمة العهر، وما هي إلا امرأة تُحب الأدب والفن، كما اكتشفت الغانية طيبة السلطان ودماثة خلقه. وأثناء الحوار بين الغانية والسلطان يؤذن المؤذن لصلاة الفجر قبل حلول الوقت، ويُفاجأ السلطان والغانية بالأذان، ثم يعلمان أن تلك الخطة من تدبير القاضي، الذي تحايل على القانون، وزعم أن العتق يتم إذا أذّن المؤذن لصلاة الفجر سواء أكان الأذان في موعده، أم في غير موعده، ويرفض السلطان ذلك، ويفضِّل أن يبقى عند الغانية حتى الموعد الحقيقي لأذان الفجر، ولكن الغانية لما رأت أن تلك الحيلة مبعثها حب القاضي للسلطان، قررت أن تُعيد هي الأخرى للسلطان حريته تعبيراً عن حبها، حتى ولو كان ذلك قبل الموعد المتفق عليه سلفاً، وقد أهداها السلطان الياقوتة الكبرى التي تزين عمامته، قائلا: "لن أنسى أبداً أني كنتُ عبدك ليلة" ~~~~~~~~~~~~~~ إن فكرة الصراع بين القوة والقانون هي القضية التي بُنيت عليها مسرحية "السلطان الحائر"، وقد قال مؤلف المسرحية نفسه محددا الفكرة التي يرمي إليها من تأليف المسرحية: "هذه المسرحية كُتبت في خريف 1959م، عندما كان المؤلف في باريس يشهد فيها ما يجري في عالم اليوم، ووحيها ذلك السؤال الذي يقف عالمنا اليوم أمامه حائراً: هل حل مشكلات العالم هو في الاحتكام إلى السيف أو إلى القانون؟ .. في الالتجاء إلى القوة أو المبدأ؟ وإن الذي أوحى له بفكرة هذه المسرحية هو ما شعر به إبان إقامته في باريس من صراع دولي عنيف بين القانون ممثلاً في هيئة الأمم المتحدة، والقوة ممثلة في القنابل الذرية والهيدروجينية والمسرحية في هذا الإطار مرتبطة بفلسفة الكاتب العامة في كتاباته "والخط الفكري الواحد الذي يربط إنتاجه الأدبي، وهو في تقديره مقاومته للفناء والزمن والضعف ~~~~~~~~~~~~~~ لقد كان السلطان حائراً بين القوة والقانون، وكان باستطاعته رفض مسألة بيعه في المزاد أمام الناس، وإسكات الألسنة بحد السيف، ولكنه بذلك كان سيرتكب خطأ فادحاً ستتوارثه الأجيال لأنه سيسن سنة القفز إلى كرسي السلطة للمتطلعين إلى الحكم، وقد يكون السلطان أول ضحايا تلك السنة، ولو أصاخ السلطان إلى صوت القانون، فسيضرب بذلك المثل لكل من يأتي بعده، وبذلك يحمي السلطان نفسه وسلطته، وهذا ما قاله القاضي للسلطان: القاضي: أعني أن لك الخيار يا مولاي السلطان .. لك أن تجعله للعمل، ولك أن تجعله للزينة .. إني معترف بما للسيف من قوة أكيدة، ومن فعل سريع وأثر حاسم، ولكن السيف يُعطي الحق للأقوى، ومن يدري غداً من يكون الأقوى؟ .. فقد يبرز من الأقوياء من ترجح كفته عليك! أما القانون فهو يحمي حقوقك من كل عدوان، لأنه لا يعترف بالأقوى .. إنه يعترف بالأحق! .. والآن فما عليك يا مولاي سوى الاختيار: بين السيف الذي يفرضك، ولكنه يعرضك، وبين القانون الذي يتحداك ولكنه يحميك! وقد أثرت تلك العبارات في نفس السلطان، وجعلته يتحوّل تدريجيا من اختيار القوة إلى اختيار القانون، حيث نرى السلطان بعد ذلك يتوقف عن مناظرة القاضي، ويتوقف لحظة مفكراً لأول مرة خلال تلك المناظرة. ~~~~~~~~~~~~~~ إن المغزى الحقيقي للمسرحية ـ كما يقول الدكتور محمد أبو الأنوار ـ "هو أن القوي من يحتمي بالقانون والحق، وليس هو من يحتمي بالسيف، وأن الخضوع للعدالة مجد ورفعة وقوة، ونكتشف أن حاجات المجتمع إلى سيادة القانون ـ على النحو الصحيح تماما ـ أشد من حاجتها إلى أي شيء آخر، ويظهر لنا بوضوح أن دور السلطان في حماية القانون هو دور جوهري وأصيل، بل هو الدور الأول، إذا فقده أو حاد عنه فقد كل شيء، وندرك أيضا أن حاجة الأمة إلى القاضي الأمين العادل تُساوي تماماً حاجتها إلى الجيش القوي الظافر، فالجيش يدفع البغي عن الأوطان، والقاضي يدفع البغي عن الحقوق التي بدونها يُصبح الأفراد هملاً وضياعاً، بل لا يمكن لأفراد تضيع عدالة القانون بينهم أن يصنعوا من أنفسهم جيشاً منتصراً، أو أمة ذات قيمة ولعل مؤلف المسرحية أراد أن ينبِّه إلى غياب الديمقراطية بعد قيام ثورة يوليو 1952م، "وذلك عندما غابت شمس الملكية في مصر، وتطلّع المصريون إلى حكم أفضل، وجاءت الوعود الكثيرة بتحقيق آمال الديمقراطية من خلال مؤسسات اشتراكية، ولكن تبدّد سراب تلك الوعود، وظهر أن شمس الديمقراطية لم تشرق بمصر، بل ساد ظلام دامس سرت فيه المفاسد، وكان الحكم للسيف، وانزوى القانون في غياهب الظلام ~~~~~~~~~~~~~~ وتبدأ الإشارة إلى فكرة المسرحية في منتصف الفصل الأول تقريباً: القاضي: (يجلس على مقعد له) فكوا قيود المتهم! .. (يفك أحد الحراس أغلال المحكوم عليه) اقترب يا هذا .. ما هي جريمتك؟ .. المحكوم عليه: لم أرتكب جُرماً! .. القاضي: وما هو الاتهام المنسوب إليك؟ .. المحكوم عليه: سل الوزير عنه! .. القاضي: إني أسألك أنت! .. المحكوم عليه: ما فعلت شيئا قط سوى أني لفظت كلمة بريئة، لا خطر فيها ولا ضرر! .. الوزير: إنها كلمة مروعة أثيمة! القاضي: (للمحكوم عليه) ما هي هذه الكلمة؟ المحكوم عليه: لست أحبُّ أن أُعيدها .. الوزير: الآن لا تحب .. أما في وسط السوق وبين جموع الناس .. القاضي: ما هي هذه الكلمة؟ الوزير: قال إن مولانا النبيل العظيم إن هو إلا عبد رقيق فالحوار يكشف عن الفكرة في هذا الموقف، وينمّيها الحوار الذي يصل إلى الذروة في هذا المشهد من نهاية الفصل الأول بين الوزير والسلطان والقاضي، ويبلور الفكرة التي تطرحها المسرحية: الوزير: وا أسفاه! .. ما كان لي أن أعلم أن رجلاً مثل هذا سيأتي يوماً يثرثر ويلغط .. السلطان: ولهذا أردت أن تُغلق فمه بإسلامه إلى الجلاد! .. الوزير: نعم … السلطان: وتدفن غلطتك بدفن هذا الرجل … الوزير: (مطرقاً) نعم … السلطان: وما فائدة ذلك الآن .. والجميع يثرثرون ويلغطون؟ … الوزير: إذا قطع رأس هذا الرجل وعُلِّق في الساحة أمام الناس، فما من لسان بعدئذ يجرؤ على الكلام! .. السلطان: أتظن ..؟ الوزير: إن لم يستطع السيف قطع الألسنة فماذا يستطيع إذن ..؟ القاضي: أتأذن لي بكلمة يا مولاي؟ .. السلطان: إني مصغٍ. القاضي: إن السيف قاطع للألسنة والرؤوس.. ولكنه ليس بقاطع في المشاكل والمسائل .. السلطان: ماذا تعني؟ .. القاضي: أعني أن المسألة ستظل دائماً قائمة .. وهي أن السلطان يحكم دون أن يُعتَق، وأنه عبد رقيق على شعب حر طليق!! ويصل الحوار بالفكرة إلى منتهاها في نهاية الفصل الأول، حيث نرى حيرة السلطان تنتهي، ويصل إلى شاطئ الاستقرار: السلطان: (وهو مطرق في تفكيره) السيف أم القانون؟! .. القانون أم السيف؟؟ .. الوزير: إني مقدِّر يا مولاي دقة موقفك! .. السلطان: ولا تُريد مع ذلك أن تُعينني برأيك؟! .. الوزير: لا أستطيع .. أنت في هذا الموقف صاحب الرأي وحدك! السلطان: لا مفرَّ إذن أن أُقرِّر بنفسي! .. الوزير: هو ذاك .. السلطان: السيف أم القانون؟! .. القانون أم السيف؟؟ .. (يفكر لحظة، ثم يرفع رأسه بقوة) حسن .. لقد قرّرت .. الوزير: أوامرك يا مولاي! .. السلطان: قررت أن أختار .. أن أختار .. الوزير: ماذا يا مولاي؟ .. السلطان: (صائحاً في عزم) القانون! .. اخترت القانون! .. والتكرار في المقطع السابق "السيف أم القانون؟! .. القانون أم السيف؟؟ .." التي تتكرّر مرتين على لسان السلطان توحي بالحيرة، والاضطراب، وعدم القدرة على اتخاذ القرار. لكن السلطان وسط هذه الحيرة ـ كما يصفه توفيق الحكيم بين قوسين ـ (يفكر لحظة، ثم يرفع رأسه بقوة)، وكأنما الحوار أوصله إلى شاطئ الفكر، فمنحه الفكر القدرة على الاختيار، ومن ثم تنتصر فكرة اختيار القانون على السيف. لكن فكرة الانحياز إلى القانون واختياره بديلاً عن السيف تُواجه اختباراً قاسياً حينما يُعرض السلطان للبيع، وتشتريه الغانية، ويُصرُّ القاضي على أن توقع وثيقة عتق السلطان في اللحظة التي تشتريه فيها: الوزير: أنت تجرُئين على شراء مولانا؟! .. الغانية: ولم لا؟ .. ألست مواطنة ومعي نقود؟!.. فلم لا يكون لي عين الحق الذي للآخرين؟! .. القاضي: نعم .. لك هذا الحق .. إن هذا القانون يسري على الجميع .. على أنه يجب عليك أن تكوني على علم بشروط هذا البيع .. الغانية: هذا طبيعي .. أنا أعلم أنه بيع .. القاضي: بيع له صفة خاصة .. الغانية: بيع بالمزاد العلني .. القاضي: نعم .. ولكن .. الوزير: إنه قبل كل شيء عمل وطني .. وأنت مواطنة يهمك خير الوطن فيما أظن .. الغانية: بدون شك! .. الوزير: إذن وقِّعي هذه الحجة! .. الغانية: ماذا جاء في هذه الحجة؟ .. الوزير: العتق ويستمر الحوار مع الغانية التي ترفض فكرة "التخلي عن المتاع الذي اشترته في المزاد"( )، ويقول الوزير إنه يستطيع أن يُرغمها على التخلي عن السلطان بسيفه، فيقول له السلطان: السلطان: تلْجأ إلى السيف الآن؟! .. لقد فات الأوان! وتكشف هذه العبارة التي قالها السلطان عن أن خيار اللجوء إلى السيف لم يعد مطروحاً، فقد انتصرت فكرة اللجوء إلى القانون. وهكذا استطاع الحوار أن يُبرز الفكرة ويُقدِّمها لنا في صورة حيّة من الأحداث التي تتآزر، لتُبرز لنا أن اللجوء إلى سيادة القانون فيه الأمان للحاكم والرعية، وهي الفكرة التي أراد توفيق الحكيم إيصالها للمتلقي من خلال هذا العمل المسرحي. |
|
|