رحلة في أوراق "الكوتش" حسام حسن
بعيدا عن الحماس والروح القتالية والرغبة في المكسب وما تسمعونه غالبا عن حسام حسن، ما هي عناصر الفكر الخططي لمدرب الزمالك وكيف تحول الفريق تحت قيادته من التواجد على حافة مثلث الهبوط إلى المركز الثاني؟
يصر حسام حسن دائما في جميع تعليقاته عن تحسن أداء الفريق تحت قيادته بأن "اللعب بطريقة متفق عليها، ومع وجود أدوار وتكليفات يحفظها اللاعبون هو ما كان ينقص الزمالك".
وبعد مرور عشر مباريات على الولاية الفنية للعميد، فإن ملامح هذه الطريقة المتفق عليها تظهر جلية، وتثبت تفوقها على المنافسين، رغم اختلاف اللاعبين الذين ينفذونها، واختلافها عما كان يلعب به الزمالك تحت قيادة مدربيه السابقين هذا الموسم ميشيل ديكاستل وهنري ميشيل.
الشق الثاني في أسلوب حسام حسن هو التكليفات الفردية التي يحصل عليها كل فرد داخل طريقة اللعب الجديدة، والتي أدت بصورة مباشرة إلى تألق البعض وابتعاد آخرين عن الصورة في الفترة الأخيرة.
تكتيك فرنسي
يطبق حسام حسن أسلوبا تكتيكيا طالما تميز المدربون الفرنسيون الكبار به وعلى رأسهم إيميه جاكيه المدير الفني الفائز بكأس العالم 1998 مع "الديوك" وأرسين فينجر المدير الفني القدير لأرسنال.
يبدأ حسام حسن مبارياته بطريقة 4-2-3-1 والتي تتميز بفتح اللعب بعرض الملعب – ما يعرف بالإنجليزية بـWide Play - ويحظى فيها الأجنحة بدور البطولة.
وتتحول هذه الطريقة إلى 4-3-2-1 في الدقائق العشرين الأخيرة من المباراة إذا كان الفريق متقدما، وذلك بدخول ارتكاز ثالث وسحب أحد أصحاب الواجبات الهجومية في خط الوسط.
ويتكون الخط الخلفي من قلبي دفاع وظهيرين مع الاستغناء عن الليبرو التقليدي يدعمهم من وسط الملعب لاعبا ارتكاز أحدهما ثابت في المنتصف والآخر يتحرك للضغط على المنافسين من المناطق المتقدمة.
ويتولى اللاعبون الثلاثة الباقون في خط الوسط الشق الهجومي، الذي يعتمد على جناحين يفتحان الملعب إلى أقصى درجة بين خطي التماس، وثالثهما إما أن يكون صانع ألعاب تقليدي أو مهاجم متأخر يتراجع إلى الخلف أكثر من تواجده في منطقة الجزاء.
وفي النهاية يتواجد رأس حربة وحيد، غالبا ما يكون مهاجما كلاسيكيا، صاحب بنية قوية، وقادر على إرهاق الدفاع والتفوق في الالتحامات الهوائية، والتسجيل من أنصاف الفرص.
الشق الدفاعي
"منذ اليوم الأول قررت الاستغناء عن الليبرو، حتى مع وجود هامش زمني قدره يوم واحد على المباراة المقبلة" .. هكذا يسترجع حسام حسن أولى قراراته الفنية بعد تعيينه مدربا للزمالك.
وعلى الرغم من خسارة الفريق أولى مبارياته أمام حرس الحدود بنتيجة 2-1 فإن الزمالك ظل بعد ذلك ست مباريات من دون اهتزاز شباكه، ودخل مرماه في المباريات العشر الأخيرة خمسة أهداف.
إذن لماذا ينجح دفاع الزمالك بدون ليبرو مع حسام حسن على الرغم من فشله بالطريقة نفسها مع ديكاستل وميشيل وغيرهما حينما حاولوا تطبيقها؟
تكمن الإجابة في التكليفات التي يمنحها حسام حسن إلى لاعبيه المدافعين سواء في الخط الخلفي أو خط الوسط.
فثنائي قلب الدفاع محمود فتح الله وعمرو الصفتي لا يتقدم أبدا سوى في الكرات الثابتة ويلعب بطريقة دفاع المنطقة وليس الرقابة رجلا لرجل التي يلجأ إليها المدربون في ظل وجود الليبرو، وهو ما يمنحه مرونة أكبر في الضغط على المهاجم الأقرب بدلا من البحث عن لاعب بعينه طوال المباراة.
هذه الطريقة ساعدت الزمالك في مواجهة الفرق التي تعتمد على ثنائي هجوم بشكل صريح مثل طلائع الجيش والاتحاد السكندري وإنبي، والتي تلعب بمهاجم وحيد كالمنصورة أو حتى أمام ثلاثي مقدمة بتروجيت.
ويساعد قلبي الدفاع في مهمتهما أحد ظهيري الجنب، وهو غالبا في خطط حسام حسن ما يكون أحمد غانم.
فغانم يتقدم في مناسبات نادرة للهجوم بعكس الظهير الأيسر محمد عبد الشافي، الذي يحصل على حرية أكبر في الانطلاق لوسط الملعب، ما يجعل للزمالك دائما زيادة عددية في الخط الخلفي رغم غياب الظهير القشاش.
قدرات غانم وتواجده الدائم في الدفاع يمنحان الصفتي الفرصة للتحرر من مركزه في أثناء رقابته للخصم، من دون ترك مساحات مكشوفة في خط الدفاع الأبيض.
وسط الملعب أيضا يقوم بدور هام يتمثل في لاعبي الارتكاز، الذي يتمركز أحدهما على دائرة المنتصف، ويغطي موقع ظهير الجنب المتقدم تفاديا لشن هجمات مرتدة من خلفه بعد انطلاقه للهجوم، وهو الدور الذي يلعبه بكفاءة إبراهيم صلاح.
أما الارتكاز الثاني – حسن مصطفى - فيحصل على نسبة أكبر من حرية الحركة ويبدأ عملية الضغط على المنافس من مناطق متقدمة وهو بذلك يفسد عملية نقل الكرة من قلب الملعب إلى عمق دفاعات الزمالك، وهي الثغرة التي طالما اهتزت عبرها شباك عبد الواحد السيد من قبل.
والتكليفان السابقان يفسران ندرة تواجد صلاح على حافة منطقة جزاء المنافس في مباريات الزمالك الأخيرة على عكس مصطفى الذي تراه قريبا من منطقة العمليات وأحيانا داخل الصندوق، في أكثر من لقطة كاد أن يسجل منها لاسيما أمام بتروجيت في الكرة التي أهداها له حسين ياسر والإنتاج الحربي التي انتهت بتسلل ياسر أيضا قبل تسديده الكرة في المرمى.
وبذلك يحقق حسام حسن طوقا دفاعيا محكما سواء من العمق أو الطرفين الأيمن والأيسر وكما حاول إفساد الهجمة مبكرا قبل وصول الكرة إلى مناطق الخطر.
ويشبه العميد في ذلك مدربي المدرسة الفرنسية، فالاهتمام بارتكازي الدفاع في حساباتهم يعد أحد أسرار التفوق الهجومي.
فوقتما كان الزمالك بحاجة ماسة للهجوم في مباراة المنصورة لقتل التعادل السلبي، باغت العميد متابعيه بإشراك هاني سعيد، وبعد التغيير بدقائق خطف الفريق الأبيض هدف الفوز.
وجود سعيد في وسط الملعب بجوار صلاح ومصطفى منح ظهيري الجنب فرصة التقدم أكثر، ففتح الفريق الأبيض دفاع المنصورة على مصراعيه، وفك تكتله الدفاعي، بتغيير يبدو في ظاهره غير هجومي.
الشق الهجومي
يعتمد الشق الهجومي في أوراق حسام حسن التكتيكية على "الجناحين القوي والضعيف"، وهما ما يطلق عليهما بالإنجليزية Strong Side أي جانب الملعب الذي تكون الكرة موجوده به أثناء الهجوم، ثم Weak Side أي الجانب الخالي.
ويحتل الجناح الأيسر علاء علي ويعاونه محمد عبد الشافي الظهير المدافع ذو النزعة الهجومية، فيما يلعب على الجانب الأيمن حسين ياسر (أو حازم إمام) ويعاونه محمود عبد الرازق "شيكابالا" في أغلب الأحيان، فيما يتحرك جعفر طوليا في المنطقة ما بين نقطة الجزاء والقوس على حدود المنطقة عند شن هجمة منظمة بغرض ضرب التكتل الدفاعي للمنافس.
فمع سقوط جعفر للخلف واستلامه للكرة من علاء علي على سبيل المثال، يسحب مهاجم الزمالك الوحيد معه قلب الدفاع المكلف بملاحقته، ما يتيح الفرصة لعلي في اقتحام المنطقة في المساحة بين قلب الدفاع الثاني والظهير الأيمن (هدف الزمالك الأول في الاتحاد السكندري)، وهو ما تكرر أيضا مع حازم إمام (هدف الزمالك الثاني في مرمى بترول أسيوط) استغلالا للمساحة الواقعة بين قلب الدفاع والظهير الأيسر.
أما في حالة الهجمات السريعة، فإن وجود الكرة في أحد الجانبين، يجعل الجناح الموجود في الجانب الضعيف رأس حربة ثان. فمثلا حينما يشن علاء علي أو عبد الشافي هجمة سريعة من اليسار، يصبح مطلوبا من الجناح الأيمن الانضمام إلى منطقة الجزاء بجوار جعفر وهو بذلك يتلقى الكرة العرضية بدون رقابة حقيقية (هدف حازم إمام الأول في مرمى المصري وهدف حسام عرفات في مرمى إنبي).
ومع عودة المهاجم الوحيد إلى موقعه الأصلي داخل منطقة الجزاء بعد سحب المدافع المكلف برقابته خارجها، يصبح أيضا في وضع أفضل للتسجيل، لأنه يجبر مراقبه على الدفاع ووجهه إلى مرمى فريقه، وليس إلى مرمى الزمالك في حال بقائه متمركزا داخل منطقة الجزاء.
وفي أحيان كثيرة، تؤدي هذه الحركة الطولية ذهابا وإيابا إلى خلخلة الدفاع بشكل كامل، ما يجعل جعفر خاليا من الرقابة من الأصل (هدف الزمالك الثالث في بتروجيت والهدف الثاني في الاتحاد السكندري).
ويلعب شيكابالا في هذه المنظومة أحد دورين، إما المهاجم الثاني خلف جعفر، الذي يحتل مكانه حينما يتراجع الأخير إلى خارج منطقة الجزاء، أو دور الجناح الصريح، وهو التكليف الذي أداه ببراعة في الدور الأول من الدوري حينما كان أحمد حسام "ميدو" لايزال مع الفريق ويلعب خلف جعفر مباشرة.
ويتولى شيكابالا عملية نقل الكرة بين الجانبين الأيمن والأيسر، ومساندة الطرف الأيمن في معظم الأحيان مستغلا قدرته على "القطع" داخل الملعب والتسديد بقدمه اليسرى وهي الميزة التي لا تتاح له كثيرا وهو يلعب على الجانب الأيسر.
فائزون وخاسرون
واستفاد عدد من لاعبي الزمالك من طريقة حسام حسن الجديدة فيما دفع آخرون ثمنها إما بسبب عدم قدرتهم على تأدية الواجبات المطلوبة أو الاستغناء عن مراكزهم من الأساس في الملعب:
أحمد غانم: تحول غانم من لاعب يصدر بسببه صفير الاستهجان من جماهير الزمالك كلما لمس الكرة إلى آخر يحيونه حين يخرج من الملعب ويتساءلون عن بديله عندما يغيب. فحسام حسن قلص دور غانم إلى الجناح المدافع في طريقته الجديدة وهي مساحة يجيد فيها اللاعب بصورة معقولة فيما كان يفشل في القيام بالشق الهجومي في طريقة 3-5-2 التي يطلب منه فيها إجادة المهمتين معا، وهو ما كان يجعل حازم إمام مطلبا جماهيريا في كل مباراة.
أحمد جعفر: استفاد جعفر كثيرا من اللعب في مركز المهاجم الوحيد، فهو الآن يقوم بتحركاته الطولية التي تمنحه فرصة للتخلص من رقيبه وفتح مساحات للأجنحة كي يتلقى كرات عرضية أكثر من التي كان يتلقاها وهو يلعب بجوار رأس حربة آخر. فحينما كان الزمالك يلعب بثنائي هجوم، كان قلبا دفاع المنافس يتوليان رقابة جعفر وزميله كظلهما ما يقلل من فرص وصول كرات سهلة له، كما كان فشل وسط الزمالك في بناء هجمات منظمة سواء من العمق أو الأجناب تأثير سلبي على إتاحة فرص مقبولة للتهديف، وهو ما يظهر بتسجيل اللاعب سبعة أهداف أحرزها جميعها مع حسام حسن.
شيكابالا: أعاد شيكابالا اكتشاف نفسه حين حوله حسام حسن لجناح صريح، فبات غير مطالب بربط الفريق بأكمله. نزع عنه العميد حمل الفريق واستفاد من مهاراته الفردية وسرعته التي يحتاجها لاعب الطرف، ومع تقدم الموسم بدأ المحترف السابق في اليونان يلعب دورا متكاملا أكثر يجمع بين مهام صانع اللعب والمهاجم المتأخر والجناح، ويقدمهم جميعا بذات المستوى المتميز.
هاني سعيد: يدفع الليبرو المخضرم ثمن عدم اقتناع حسام حسن بهذا المركز من الأساس. وبات سعيد ملازما دائما لمقاعد بدلاء الزمالك بعدما كان أساسيا منذ حضوره من الإسماعيلي. وبدأ سعيد المشاركة كبديل في مركز لاعب الارتكاز الثالث في الوسط، وهو أكثر ما يمكنه الحصول عليه في الطريقة السالف ذكرها، كون أبرز مميزاته هي التوقع وتنويع اللعب، ولكنه يفتقد إلى السرعة أو الضغط على المنافس اللذين يتميز بهما صلاح وحسن مصطفى.
شريف أشرف: يسجل دائما في المباريات الودية، ولكن لا أثر له في اللقاءات الرسمية مع حسام حسن لأن مواصفاته الجسدية لا يمكن معها أن يلعب مهاجما وحيدا. فأشرف لاعب من النوع الذي يرغب في الكمون داخل منطقة الجزاء واستغلال الفرص للدغ المنافس، وليس لاعبا يتحرك كثيرا ويرهق الدفاعات ويشترك في الكرات العالية. المكان الوحيد الذي يمكن لأشرف الحصول عليه في تشكيل الزمالك الأساسي هو مركز المهاجم المتأخر، وبالطبع لن يحدث ذلك إلا في حالة غياب شيكابالا وعدم قدرة ياسر أو علي على التحول من الجناح إلى هذا المركز