ماهية اليأس في أروقة النفس

[ملك الاحزان]

تركت هذا الباب وسرت تجاه الأخر، بعد أفرغت حاوية صبري عليه، وبعد أن خاطبت وده مرارا ولكن دون جدوي أو فائدة، تركته وكلي أمل أن يحسن الأخر استقبالي، وبدأ شعور الأمل ينبت براعم الثقة بداخلي، وبدأت معالم تلك المافسة تتضح مرة أخري، فقلبي يراهن الجميع علي سرعة دقاته، غير مباليا بهذا الذهن الذي أستعد له بمجموعة من الأحلام الوردية التي تتواتر عليه من كل صوب وجهة، وغير مدركا أن تلك الأقدام التي تحمله تنتظر تلك الفرصة منذ زمن طويل، وها هي الفرصة تترائي أمامها في ثوب من الخيال، وبدأت المنافسة مشتعلة حتى وصلوا إلي خط النهاية دون فائز أو مهزوم، ثم حدث ما كنت أخشاه، فالأماني وئدت قبل أن تولد في الأذهان، لأن الباب كان مجرد رسم علي الجدران، لم أصدم فعلي هذا عودتني الحياة، لملمت ما بقي من روحي وتركت خلفي الضمير، حيث قررت أن أتعلم في الوحل كيف أسير، وكان لي ما أريد، فالألوان بدأت في الظهور، وتعالت صيحات القلوب، وتلقت روحي التهنئة من جيرانها، وألتفت حولي الجماهير لتدفعني إلي الطريق المنير، وبالفعل سرت فيه، وتراقصت أمام عيني ملامح الباب المنتظر، باب الخلاص لكافة همومي الحانقة، ولهذا اقتربت منه في حذر، فأنا لازلت لا علم لي بما سيحدث، فهذه هي ليلة الأولي في دنيا السعادة، أقترب منه وقلبي يتآكل من الشغف، حتى صرت قاب قوسين أو أدني من مقبضه الذهبي، وهنا جاء الدور علي يدي لتلقي بكلمة الافتتاح، ولكنها بالطبع لم تكن وحدها، فلقد صاحبتها رعشة زلزلت كياني بأكمله، وحانت لحظة الحسم، تلك اللحظة التي تخليت فيها عن القلق والتوتر، ولم أجد تفسير منطقيا لذلك في البداية، ولكن الحقيقة تجلت أمامي بعد ذلك عندما رأيت جيوش الحماسة وقد تمركزت بداخلي، معلنة الحرب علي أي شيء قد يدفعني للتراجع، وكان لتلك الأحداث المتلاحقة تأثيرا كبيرا علي يدي التي مازلت علي مشارف التحرك، فلقد وجدتها تتحرك في غفلة مني نحو مفتاح الجنة أو مقبض الباب بمعني أدق، وبكل ما تحمله من قوة حاولت أن تثنيه عن قراره بالثبات، ولكن حدث ما لا يتوقعه الجميع، حدث ما جعلني أنزف قهرا من ندابات روحي، فحتى هذا الباب رفض أن يقبلني ضيفا عليه، رفض أن يعطيني حريتي التي انتظرتها طويلا، رفض بعد أن تنازلت عن ضميري من أجله، ولم تشفع لي هتافات الجماهير، التي انصرفت غاضبة فور رؤيتها لما حدث، فلم يتوقع أحد أن أفشل في مستنقع الفشل ذاته، فأنا وبلا فخر فشلت فيما نجح فيه الفاشلون، ولكن ماذا سأفعل، تبقي تلك هي الحقيقة، حقيقة ما حدث، وما سيحدث إذا حاولت ثانية أن أقترب من أي باب حولي، فمن الواضح أنني كنت من ضمن هؤلاء الذين كتب عليهم الشقاء منذ البداية، نظرت حولي لعلي أجد ما يساعدني علي الصمود في مواجهة هذه الظلمة الحالكة، ولكنني لم أجد سوي جسدي العليل وروحي المعذبة، قررت أن أقف كبداية لمرحلة مقبلة لم أحددها بعد، وبالفعل وقفت وحدي دون فشل في سابقة سيذكرها التاريخ بالطبع، ولكن إلي أين أسير، هل أعود إلي البداية وأحاول مرة أخري، أم امكث هنا منتظرا أن يحدث شيئا ما لا أعرفه، احترت كثيرا ولكنني في النهاية قررت أن أعود، فقد أجد بابا مرخيا أنفذ من خلاله، وقد أجد شخصا ما قادرا علي مساعدتي، وقد أجد بابا مفتوحا بالصدفة، ولكن عقلي أراد أن يزيد من همومي فقال لي هل تعتقد أن الصدفة تصنع رجالا، وإلي متي ستظل تعتمد علي هذا الشخص الذي لن يهب نفسه لمساعدتك، وهل سيكون هذا الباب المرخي مفتاحا للنجاح حقا أم سيكون قبرا خفيا حفر للحمقى والبائسين أمثالك، وكان من نتيجة ذلك أن اليأس عاد إلي من جديد ليضعف قواي في مهدها، ولكنني قررت هذه المرة أن أتحداه، قررت أن أتوجه بهمومي إلي طريق كان دائما ما يحذرني منه، طريق طويل لا تحتمله الأقدام الهشة، ولا الأرواح البائسة، فهذا الطريق مهجور منذ سنين، كان يقال عنه أنه الطريق الرئيسي للنجاح، ولكنه أصبح مهجورا بعد ظهور طرق أخري أقصر وأسهل بكثير، المهم أنني اخترته ولا سبيل للتراجع، سرت فيه لدقائق وعدوت لأشهر وسنين، كان الظلام يحيط بكل شيء، والأرض غير ممهدة للسير، ولكنني تجاوزت كل ذلك بعد عناء وحرب عالمية كبري شنتها روحي الملتهبة علي ممالك جسدي المفككة، إلي أن وصلت إلي مكان مضاء بهالات فضية، يجلس في منتصفه شيخ كبير تغلفت ملامحه بالحكمة والوقار، اقتربت منه لأصافحه وأستدل منه علي الطريق، ولكنه مسك يدي وشد عليها، وقال لي " الآن فقط يمكنك العبور ....