03-28-2010, 12:56 PM | المشاركة رقم: 1 |
|
المنتدى :
نافذة آدم العامة
عاشروهن بالمعروف.....
بسم الله الرحمن الرحيم لا ريب أن الحياة الزوجية الصحيحة هي التي تقوم على المعاشرة الحسنة والأخلاق الحميدة، والمحبة الدائمة والحوار النافع والإيثار والتراحم. فالزوجان هما سبيلا نجاح الأسرة والمجتمع، إذا تفاهما وتعاونا وتحابا صلحت الأسرة وإذا تنافرا وتنازعا وتشاجرا فسدت الأسرة والمجتمع، وهذا التنازع والخصام هو الذي يسعى إبليس اللعين لتحقيقه لتنفرط تلك العقد ويتفكك ذاك الميثاق الغليظ، ولذلك فإن مُنية كل شيطان من شياطين الإنس والجن أن تنكسر الأسرة، ويضيع الأولاد ويتمزقوا. الآن يحصل هذا الضياع وهذا التمزق من جهتين: من جهة تفكك الأسرة الآخذ في التفشي، ومن جهة هيمان هذه الأعداد الغثائية من الأطفال والشباب بلا مرب ولا مراقب. ولذلك لتصلح هذه الأسرة يجب أن يحسن كل من الزوجين معاملة الآخر، لأن حسن المعاملة وصية دينية يجب أن تطبع الحياة الزوجية في كل مجال. والشرع يوصي بها لما فيها من المنافع الإيجابية التي تعطي للبيت جلالا واستقرارا وعلى قدر حسن المعاملة ترفرف السعادة على البيت وتنشر أجنحتها على أعضائها ( لكننا في جل الأسر اليوم نرى غياب ذلك التفاهم وتلك المعاملة الحسنة وذلك الجو السعيد. ونلاحظ شبه عداء بين الرجل والمرأة كأن كلا منهما ضحية الطرف الآخر في الوجود، وليس ذلك من المعقول فالرجل والمرأة عنصران متكاملان لا تسعد البشرية إلا إذا كان كل طرف منهما يحس بضرورة وجود الآخر وبضرورة احترامه، أما إذا أصبحت العلاقة بينهما داخلة في إطار الظالم والمظلوم والحاكم والمحكوم والمستبد والمقهور وأصبحت تدعو إلى مؤتمرات لتصنف هذه من ذاك أو هذا من تلك أو لتزيح طغيان الرجل عن المرأة أو طغيان المرأة عن الرجل فإن الحياة حينئذ تصير مكفهرة قاتمة تفقد الأمن والاطمئنان والاستقرار وتتحكم فيها أنواع المخاوف والقلق والاضطراب وتسود الأسرة حينئذ تفككات تؤدي إلى ضياع التماسك وإلى انحلال العلاقات وتفسخها ويصير الزوج متبرما من زوجته والزوجة متبرمة من زوجها ويتقمص الأبناء هذا التبرم الذي يؤدي إلى التشاؤم والحقد، والذي يؤسس العوائق الحاجزة بين التكوين السليم وبين نفوس الأطفال وحينئذ تضيع الأمة في أطفالها وتنتشر أنواع الانحراف والفوضى فيعم العنف وتكثر الجرائم وتتلاشى مظاهر الأخلاق الفاضلة ويؤدي المجتمع بدوره ضريبة هذه الأخطاء فيعيش فاقدا للأمن خائفا على المصير ( وما دام الأمر كذلك فلماذا لا يتعاون الزوج والزوجة ليجنبا قافلة الأسرة الفوضى والتفكك والانحراف، ويحسن كل واحد منهما معاشرة الآخر، ويعتبر هذا الحق -المعاشرة بالمعروف- حقا ثابتا للمرأة تطالب به متى حرمت منه، قال تعالى: }وعاشروهن بالمعروف{(فهي وصية إلهية للرجال بحسن معاشرة أزواجهم والرفق بهن وخصوصا في حالات الغضب، فالرجل إذا كره من زوجته شيئا أحب منها شيئا آخر، فإذا أتت الزوجة بذنب واحد فإن خصالها الحميدة وأخلاقها الحسنة وحنانها وعطفها ورقتها تأتي بألف شفيع. ولذلك وجب على الزوج أن يعامل زوجته بالمعروف ويحسن عشرتها ويقوم بنفقتها. كما يجب عليه أن يصبر على زوجته إذا رأى منها بعض ما لا يعجبه من تصرفها، ويعرف لها ضعفها بوصفها أنثى، ويعرف لها حسناتها بجانب أخطائها، ومزاياها إلى جوار عيوبها..، ولنا في سيد الخلق وحبيب الحق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة في معاشرته لأهله، يقول ابن قيم الجوزية رحمه الله يحكي لنا سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم مع أزواجه: وكانت سيرته مع أزواجه حسن المعاشرة، وحسن الخلق. وكان يسرب إلى عائشة بنات الأنصار يلعبن معها. وكان إذا هويت شيئا لا محذور فيه تابعها عليه، وكانت إذا شربت من الإناء أخذه، فوضع فمه موضع فمها وشرب، وكان إذا لعقت عرقا – وهو العظم الذي عليه لحم- أخذه فوضع فمه في موضع فمها، وكان يتكئ في حجرها، ويقرأ القرآن ورأسه في حجرها، وربما كانت حائضا، وكان يأمرها وهي حائض فتتزر ثم يباشرها، وكان يقبلها وهو صائم، وكان من لطفه وحسن خلقه مع أهله أنه يمكنها من اللعب، ويريها الحبشة وهم يلعبون في مسجده، وهي متكئة على منكبيه تنظر، وسابقها في السفر على الأقدام مرتين، وتدافعا في خروجهما من المنزل مرة... هكذا كان صلى الله عليه وسلم مع أهله، كان قرآنا يمشي، كان رحمة لأهله وللعالمين، كانت أخلاقه عظيمة وصدق ربنا تبارك وتعالى حيث يقول في حبيبه صلى الله عليه وسلم: (وإنك لعلى خلق عظيم)(فمثاليته الأخلاقية، جعلت لنا فيه الأسوة المثلى، وألزمتنا بطاعته التي أمرنا بها الله، ومحبته التي هي مصدر سعادتنا عزنا، وما ذكرناه من معاملته صلى الله عليه وسلم لمحة فقط اقتبسناها من سيرته العطرة وأخلاقه الكريمة ومعاشرته الحسنة، ومن أراد الفوز بالجنة والنجاة من النار والسعادة الأبدية في الدنيا والآخرة فليرجع إلى ذلك النبع الصافي والنور الهادي والمقام العالي ليستنير بتوجيهاته صلى الله عليه وسلم ويستضيء بسيرته العطرة وحياته ومعاملته مع أهل بيته. وتتمة لما بدأنا به حديثنا ينبغي على الرجل – العاقل- أن يدرك في عشرته لزوجته – أمورا يجعلها نصب عينيه.. منها: أن المرأة إنسان يخطئ ويصيب ومنها: أنه هو نفسه ليس ملكا، بل إنسان مليء بالعيوب.. فكيف يتطلب من لا عيب فيه.. ومنها: أن كثرة العتاب تميت الود.. ومنها أن الكلمة الطيبة لها من المفعول ما يعجز عنه السيف... ومنها أن للمرأة طبيعة خاصة.. فمن طبيعتها اللطف والرقة، ومن ثم يجب الاقتصاد في الخشونة معها،.. لأن الخشونة تتلفها.. وإنها عاطفية سريعة التأثر، وقد يثمر معها التصرف الطيب أضعاف أضعاف التصرف الخشن وصدق الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام القائل:(ما أكرم النساء إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم)( (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي)((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فإذا شهد أمرا فليتكلم بخير أو ليسكت، واستوصوا بالنساء، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، إن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، استوصوا بالنساء خيرا) وفي الباب أحاديث كثيرة اقتصرت على بعضها، وكلها توصي بالنساء خيرا، ولذلك وجب على الزوجين أن يحسن كل واحد منهما معاملة الآخر ويتحمل هفواته حتى يتحقق ذلك السكن الحقيقي وتلك السعادة الأسرية المنشودة، ولذلك وصى الرسول صلى الله عليه وسلم الزوج أن يزن تصرفات زوجته بكفتين وليس بكفة واحدة للميزان ، فقال عليه الصلاة والسلام:(لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضي منها آخر)( وهذا حكم من أحكام الإسلام العالية التي تأمر الزوج بالإحسان إلى زوجته ولو رأى منها ما يكره. يقول ربنا تبارك وتعالى: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة)والمقصود بالآية الكريمة أن للزوجات من حقوق الزوجية الواجبة على الأزواج، مثل ما للأزواج من حقوق الزوجية الواجبة على الزوجات، فللزوجات من حسن الصحبة، وترك الإضرار والعشرة بالمعروف على أزواجهن، مثل الذي يجب عليهن من الطاعة والأمانة فيما أوجبه الدين عليهن للأزواج. فالرجال يتقون الله في شأن النساء، والنساء يتقين الله في حق الرجال، والتعبير الذي ورد في الآية يعم جميع الحقوق المتبادلة بين الأزواج والزوجات وعلى كل واحد منهما أن يحب للآخر ما يحب لنفسه، وأن يعامله بمثل ما يحب أن يعامله به، وعلى الزوج أن يعدل في معاملة زوجته ويوسع عليها ولا يضرها، كما على الزوجة أن تحسن تبعلها له ولا تكثر من لومه وعتابه ولا تكلفه ما لا يطيق ومما يؤسف له أن بعض الجهلة يعتبر القسوة على المرأة، والخشونة في معاملتها ضربا من الرجولة والشهامة، ويعتبر ملاطفتها والإقبال على مودتها ضربا من الضعف يخشى أن يعرف به بين الرجال... ولا شك أن ذلك من سوء الفهم، ومظهر خلخلة شخصيته يحاول به ستر ضعفه، فيعبس أو يرفع صوته لغير موجب، أو نحو ذلك مما يتصور أنه يحملها على مهابته والخوف منه، والإقرار له في نفسها بأنه شيء خطير، أو ذو شأن... وهيهات، فإن احترام الزوجة لزوجها وإعجابها به، إنما هو أثر امتياز شخصيته بخصائص القوة، ورجاحة العقل، وشرف الأخلاق، أما الشدة المفتعلة فلا تورثها إلا الاستهانة والإحساس بأنه مصدر كدرها، والشعور بخيبة أمل فيمن كانت ترجو أن يملأ وجدانها إعجابا واعتزازا بمزاياه إن كلا الزوجين له حقوق على الآخر، فعلى الرجال ألا يثوروا على نسائهم لأجل هفوة تصدر عنهن، وأن يكونوا أكثر صبرا في حال إساءتهن، وأن لا يقابلوا ذلك بالإساءة إليهن مما يعقد الأمور ويفضي إلى الطلاق، بل عليهم أن يتحملوا هذا الكره ويصبروا عليه فقد يكون وراء ذلك خير كثير أما إذا تنازعا وتشاجرا ولم يصبر أحدهما على الآخر، فإن الأطفال هم الضحايا، والأسرة تتشتت ومصيرها التفكك والانهيار مما يؤثر ذلك سلبا على المجتمع. وما أجمل ما قاله هوميروس الشاعر اليوناني: إذا اتخذت امرأة فكن لها أبا وأما وأخا ! لأن التي تترك أباها وأمها وإخوتها وتتبعك فمن الحق أن ترى فيك رأفة الأب، وحنو الأم، ورفق الأخ، فإذا علمت تلك النصائح تكن نعم الزوج الموفق! كان سقراط الفيلسوف تعسا في زواجه، وكانت متاعبه مع زوجته بهذه النصيحة لشاب محجم عن الزواج: فلتتزوج على كل حال، فإن حصلت على زوجة صالحة، غدوت سعيدا... وإن كانت من نصيبك امرأة سيئة الخلق، غدوت حكيما، وكلا النتيجتين نافعة للإنسان ومن الغرائب المنتشرة في مجتمعاتنا أن بعض الرجال عندما يكون مع أصحابه يتقطر فمه خلقا وأدبا وتواضعا، لكنه عندما يكون مع أهله فنار تحرق وصاعقة تدمر، لا أخلاق ولا أدب ولا تواضع، فهو مع الناس سهل لين كريم ومع أهل بيته شرير عبوس قمطرير ولا شك أن من كان هكذا فهو من زمرة الهالكين الضالين عن سواء السبيل نسأل الله جل وعلا السلامة والعافية. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وخياركم خياركم لنسائهم خلقا) ( فلا ظلم، ولا سباب، ولا لعن، ولكن صبر من كل زوج على الآخر لتسير سفينة الحياة دون أن يصيبها خرق، ولتقف أمام أمواج الفتن والمشاكلكالجبال الشوامخ. ومن تمام المعاملة ألا يخدش كرامتها، ولا ينقص من شخصيتها، ولا يخاطبها بالكلام البذيء، ولا يغضب عليها دون سبب، ولا يسعد دونها ولا يؤذيها أو يحط من مكانة عائلتها ولا يمدح امرأة أخرى أمامها، ولا يذمها أو ينهرها، ولا يكثر عتابها ولومها والتجسس عليها، والمبالغة في الغيرة عليها... لكن يجب أن يكون ألين أهل بيته عريكة وأحسنهم خلقا وأكثرهم تحملا وأجودهم وأكرمهم، لأن المعاملة أساسها القلب منه تنبعث الرحمة والعطف والرفق، والرجل هو القائد والمشرف وهو القائم بشؤون أسرته لذلك وجب أن تتوفر فيه كل هذه الصفات الحسنة لثقل مسؤوليته وحاجتها إلى جمع الشمل وتوحيد الكلمة، لأن الزوج هو مربط الفرس وهو العمود الفقري للأسرة، والمرأة أو الزوجة هي قطب رحى البيت، إذا صلحا صلحت الأسرة ووصلت السفينة إلى شاطئ السلامة والأمان، وإذا فسدا فسدت الأسرة وغرقت السفينة. ومما ينبغي ذكره هنا: أن من رجاحة العقل ونضج التفكير توطين النفس على قبول بعض المضايقات، والغض عن بعض المنغصات، والرجل –وهو رب الأسرة- مطالب بتصبير نفسه أكثر من المرأة، وقد علم أنها ضعيفة، إذا حوسبت على كل شيء عجزت عن كل شيء، والمبالغة في تقويمها يقود إلى كسرها. وأمرنا بالرفق بالقوارير. وعلى ذلك، كيف تتحقق الراحة؟ وأين السكن والمودة؟" إذا كان رب البيت ثقيل الطبع سيئ العشرة ضيق الأفق، يغلبه حمق ويعميه تعجُّل، بطيء الرضا، سريع الغضب، إذا دخل فكثير المن، وإذا خرج فسيء الظن، وقد علم أن حسن العشرة وأسباب السعادة لا تكون إلا في اللين والبعد عن الظنون والأوهام التي لا أساس لها. إن الغيرة قد تذهب ببعض الناس إلى سوء الظن.. يحمله على تأويل الكلام والشك في التصرفات، مما ينغص العيش ويقلق البال من غير مستند صحيح". ولعلنا لا يفوتنا هنا أن نذكر كذلك بالصفات التي يجب أن تتحلى بها الزوجة لكي لا تظلم الزوج، فعلى الزوجة أن تعلم أن السعادة والمودة والرحمة لا تتم إلا حين تكون ذات عفة ودين، تعرف ما لها فلا تتجاوزه ولا تتعداه، تستجيب لزوجها، فهو الذي له القوامة عليها يصونها ويحفظها وينفق عليها، فتجب طاعته وحفظه في نفسها وماله تتقن عملها وتقوم به وتعتني بنفسها وبيتها، فهي زوجة صالحة وأم شفيقة، راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها تعترف بجميل زوجها لا تتنكر للفضل والعشرة. ولنا في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أهله أسوة حسنة نقتدي بها ونجعلها مشكاة تنير لنا دروب الحياة، ونحظى بتلك السعادة في الحياة وبعد الممات، وصدق ربنا تبارك وتعالى القائل في كتابه العزيز مخاطبا من اقتفى أثر نبيه صلى الله عليه وسلم وعض على سنته بالنواجذ خصوصا الأزواج(الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين. ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون) |
|
|