03-26-2010, 02:26 PM | المشاركة رقم: 1 |
|
المنتدى :
البوابة الإسلامية
مقال قديم ولكن ؟؟؟
نظرت البارحة فإذا الغرفة دافئة والنارموقدة ، وأنا على أريكة مريحة ، أفكر في موضوع أكتب فيه ، والمصباح إلى جانبي، والهاتف قريب مني ، والأولاد يكتبون ، وأمهم تعالج صوفا تحيكه ، وقد أكلناوشربنا ، والراديو يهمس بصوت خافت ، وكل شيء هادئ ، وليس ما أشكو منه أو أطلبزيادة عليه . فقلت " الحمد لله " ، أخرجتها منقرارة قلبي ، ثم فكرت فرأيت أن " الحمد " ليس كلمة تقال باللسان ولو رددهااللسان ألف مرة ، ولكن الحمد على النعم أن تفيض منها على المحتاج إليها ، حمدالغني أن يعطي الفقراء ، وحمد القوي أن يساعد الضعفاء ، وحمد الصحيح أن يعاونالمرضى ، وحمد الحاكم أن يعدل في المحكومين ، فهل أكون حامدا لله على هذهالنعم إذا كنت أنا وأولادي في شبع ودفء وجاري وأولاده في الجوع والبرد ؟، وإذا كان جاري لم يسألني أفلا يجب علي أنا أن أسأل عنه؟وسألتني زوجتي : فيمَ تفكر ؟، فقلت لها . قالت : صحيح ، ولكن لا يكفي العباد إلا من خلقهم ، ولو أردت أنتكفي جيرانك من الفقراء لأفقرت نفسك قبل أن تغنيهم . قلت : لو كنتغنيا لما استطعت أن أغنيهم ، فكيف وأنا رجل مستور ، يرزقني الله رزق الطير ،تغدو خماصا وتروح بطانا ؟لا ، لا أريد أن أغنيالفقراء ، بل أريد أن أقول إن المسائل نسبية ، وأنا بالنسبة إلى أرباب الآلافالمؤلفة فقير ، ولكني بالنسبة إلى العامل الذي يعيل عشرة وما له إلا أجرتهغني من الأغنياء ، وهذا العامل غني بالنسبة إلى الأرملة المفردة التي لا موردلها ولا مال في يدها ، ورب الآلاف فقير بالنسبة لصاحب الملايين ؛ فليس فيالدنيا فقير ولا غني فقرا مطلقا وغنىً مطلقا ، وليس فيها صغير ولا كبير ، ومنشك فإني أسأله أصعب سؤال يمكن أن يوجه إلى إنسان ، أسأله عن العصفور : هل هوصغير أم كبير ؟، فإن قال صغير ، قلت : أقصد نسبته إلى الفيل ، وإن قال كبير ،قلت : أقصد نسبته إلى النملة.. فالعصفور كبير جدا مع النملة ،وصغير جدا مع الفيل ، وأنا غني جدا مع الأرملة المفردة الفقيرة التي فقدتالمال والعائل ، وإن كنت فقيرا جدا مع فلان وفلان من ملوك المال .. تقولون : إن الطنطاوي يتفلسف اليوم .. لا ؛ ماأتفلسف ، ولكن أحب أن أقول لكم إن كل واحد منكم وواحدة يستطيع أن يجد من هوأفقر منه فيعطيه ، إذا لم يكن عندك – يا سيدتي – إلا خمسة أرغفة وصحن " مجدرة) " وهو طعام من البرغل أي القمح المجروش مع العدس ) ، تستطيعين أن تعطيرغيفا لمن ليس له شيء ، والذي بقي عنده بعد عشائه ثلاثة صحون من الفاصولياوالرز وشيء من الفاكهة والحلو يستطيع أن يعطي منها قليلا لصاحبة الأرغفةوالمجدرة .. والذي ليس عنده إلا أربعة ثياب مرقعةيعطي ثوبا لمن ليس له شيء ، والذي عنده بذلة لم تخرق ولم ترقع ولكنه مل منها، وعنده ثلاث جدد من دونها ، يستطيع أن يعطيها لصاحب الثياب المرقعة ، وربثوب هو في نظرك عتيق وقديم بال ، لو أعطيته لغيرك لرآه ثوب العيد ولاتخذهلباس الزينة ، وهو يفرح به مثل فرحك أنت لو أن صاحب الملايين مل سيارتهالشفروليه طراز سنة 1953 – بعدما اشترى كاديلاك طراز 1956 – فأعطاك تلكالسيارة . ومهما كان المرء فقيرا فإنه يستطيع أنيعطي شيئا لمن هو أفقر منه ، إن أصغر موظف لا يتجاوز راتبه مئة وخمسين قرش ،لا يشعر بالحاجة ولا يمسه الفقر إذا تصدق بقرش واحد على من ليس له شيء ،وصاحب الراتب الذي يصل إلى أربعة جنيهات لا يضره أن يدفع منها خمس قروش ويقول " هذه لله " ، والذي يربح عشرة آلاف من التجار في الشهر يستطيع أن يتصدقبمئتين منها في كل شهر . ولا تظنوا أن ما تعطونهيذهب بالمجان ، لا والله ، إنكم تقبضون الثمن أضعافا ؛ تقبضونه في الدنيا قبلالآخرة ، ولقد جربت ذلك بنفسي ، أنا أعمل وأكسب وأنفق على أهلي منذ أكثر منثلاثين سنة ، وليس لي من أبواب الخير والعبادة إلا أني أبذل في سبيل الله إنكان في يدي مال ، ولم أدخر في عمري شيئا ، وكانت زوجتي تقول لي دائما : " يارجل ، وفر واتخذ لبناتك دارا على الأقل " ، فأقول : خليها على الله ، أتدرونماذا كان ؟!! لقد حسب الله لي ما أنفقته في سبيلهوادخره لي في بنك الحسنات الذي يعطي أرباحا سنوية قدرها سبعون ألفا في المئة، نعم : { كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّسُنْبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ} ، وهناك زيادات تبلغ ضعف الربح : {وَاللَّهُيُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ} ، فأرسل الله صديقا لي سيدا كريما من أعيان دمشقفأقرضني ثمن الدار ، وأرسل أصدقاء آخرين من المتفضلين فبنوا الدار حتى كملتوأنا – والله – لا أعرف من أمرها إلا ما يعرفه المارة عليها من الطريق ، ثمأعان الله برزق حلال لم أكن محتسبا فوفيت ديونها جميعا ، ومن شاء ذكرت لهالتفاصيل وسميت له الأسماء . وما وقعت والله في ضيق قط إلا فرجهالله عني ، ولا احتجت لشيء إلا جاءني ، وكلما زاد عندي شيء وأحببت أن أحفظهوضعته في هذا البنك . فهل في الدنيا عاقل يعاملبنك المخلوق الذي يعطي 5% ربحا حراما وربما أفلس أو احترق ، ويترك بنك الخالقالذي يعطي في كل مئة ربح قدره سبعون ألفا ؟، وهو مؤمن عليه عند رب العالمينفلا يفلس ولا يحترق ولا يأكل أموال الناس . فلا تحسبوا أن الذيتعطونه يذهب هدرا ، إن الله يخلفه في الدنيا قبل الآخرة ، وأنا لا أحب أنأسوق لكم الأمثلة فإن كل واحد منكم يحفظ مما رأى أو سمع كثيرا منها،إنما أسوق لكم مثلا واحدا : قصة الشيخ سليمالمسوتي رحمه الله ، وقد كان شيخ أبي ، وكان – على فقره – لا يرد سائلا قط ،ولطالما لبس الجبة أو " الفروة " فلقي بردان يرتجف فنزعها فدفعها إليه وعادإلى البيت بالإزار ، وطالما أخذ السفرة من أمام عياله فأعطاها للسائل ، وكانيوما في رمضان وقد وضعت المائدة انتظارا للمدفع ، فجاء سائل يقسم أنه وعيالهبلا طعام ، فابتغى الشيخ غفلة من امرأته وفتح له فأعطاه الطعام كله !، فلمارأت ذلك امرأته ولولت عليه وصاحت وأقسمت أنها لا تقعد عنده ، وهو ساكت .. فلم تمر نصف ساعة حتى قرع الباب وجاء من يحمل الأطباق فيهاألوان الطعام والحلوى والفاكهة ، فسألوا : ما الخبر ؟، وإذا الخبر أن سعيدباشا شموين كان قد دعا بعض الكبار فاعتذروا ، فغضب وحلف ألا يأكل أحد منالطعام وأمر بحمله كله إلى دار الشيخ سليم المسوتي ، قال : أرأيت يا امرأة؟وقصة المرأة التي كان ولدها مسافرا ، وكانت قدقعدت يوما تأكل وليس أمامها إلا لقمة إدام وقطعة خبز ،فجاء سائلفمنعت عن فمها وأعطته وباتت جائعة ،فلما جاء الولد من سفره جعليحدثها بما رأى ،قال : ومن أعجب ما مر بي أنه لحقني أسد فيالطريق ، وكنت وحدي فهربت منه ، فوثب علي وما شعرت إلا وقد صرت في فمه ، وإذابرجل عليه ثياب بيض يظهر أمامي فيخلصني منه ويقول " لقمة بلقمة " ، ولم أفهممراده. فسألته عن وقت هذا الحادث وإذا هو في اليوم الذي تصدقت فيهعلى الفقير ، نزعت اللقمة من فمها لتتصدق بها فنزع الله ولدها من فم الأسد . والصدقة تدفع البلاء ويشفي الله بها المريض ،ويمنع الله بها الأذى وهذه أشياء مجربة ، وقد وردت فيها الآثار ، والذي يؤمنبأن لهذا الكون إلها هو يتصرف فيه وبيده العطاء والمنع ، وهو الذي يشفي وهويسلم ، يعلم أن هذا صحيح ، والملحد ما لنا معه كلام . والنساء أقرب إلى الإيمان وإلى العطف ، وإنكانت المرأة –بطبعها- أشد بخلا بالمال من الرجل ، وأنا أخاطب السيدات وأرجوألا يذهب هذا الكلام صرخة في واد مقفر ، وأن يكون له أثره ، وأنت تنظر كلواحدة من السامعات الفاضلات ما الذي تستطيع أن تستغني عنه من ثيابها القديمةأو ثياب أولادها ، ومما ترميه ولا تحتاج إليه من فرش بيتها ، ومما يفيض عنهامن الطعام والشراب ، فتفتش عن أسرة فقيرة يكون هذا لها فرحة الشهر . ولا تعطي عطاء الكبر والترفع ، فإن الابتسامةفي وجه الفقير ( مع القرش تعطيه له ) خير من جنيه تدفعه له وأنت شامخ الأنفمتكبر مترفع ، ولقد رأيت بنتي الصغيرة بنان – من سنين – تحمل صحنين لتعطيهماالحارس في رمضان قلت : تعالي يا بنت ، هاتي صينية وملعقة وشوكة وكأس ماء نظيفوقدميها إليه هكذا ، إنك لم تخسري شيئا ، الطعام هو الطعام ، ولكن إذا قدمتله الصحن والرغيف كسرت نفسه وأشعرته أنه كالسائل ( الشحاذ ) ، أما إذا قدمتهفي الصينية مع الكأس والملعقة والشوكة والمملحة ينجبر خاطره ويحس كأنه ضيفعزيز . ومن أبواب الصدقة ما لا ينتبه له أكثرالناس مع أنه هين ، من ذلكالتساهل مع البياع الذي يدور على الأبواب يبيعالخضر أو الفاكهة أو البصل ، فتأتي المرأة تناقشه وتساومه على القرش وتظهر " شطارتها " كلها ، مع أنها قد تكون من عائلة تملك مئة ألف وهذا المسكين لاتساوي بضاعته التي يدور النهار لييعها ، لا تساوي كلها عشرة قروش ولا يربحمنها إلا قرشين ! فيا أيها النساء أسألكن بالله ، تساهلن مع هؤلاءالبياعين وأعطوهم ما يطلبون ، وإذا خسرت الواحدة منكن ليرة فلتحسبها صدقة ؛إنها أفضل من الصدقة التي تعطى للشحاذ . ومنأبواب الصدقة أن تفكر معلمة المدرسة حينما تكلف البنات شراء ملابس الرياضةمثلا ، أو تصر على شراء الدفاتر الغالية والكماليات التي لا ضرورة لها منأدوات المدرسة ، أن تفكر أن من التلميذات من لا يحصل أبوها أكثر من ثمن الخبزوأجرة البيت ، وأن شراء ملابس الرياضة أو الدفاتر العريضة أو " الأطلس " أوعلبة الألوان نراه نحن هينا ولكنه عنده كبير ، والمسائل – كما قلت – نسبية ،ولو كلفت المعلمة دفع ألف جنيه لنادت بالويل والثبور ، مع أن التاجر الكبيريقول : وما ألف جنيه ؟! سهلة ! سهلى عليه وصعبة عليها ، كذلك الخمس قروش أوالعشر سهلة على المعلمة ولكنها صعبة على كثير من الآباء . والخلاصة يا سادة : إن من أحب أن يسخر الله لهمن هو أقوى منه وأغنى فليعن من هو أضعف منه وأفقر ، وليضع كل منا نفسه فيموضع الآخر ، وليحب لأخيه ما يحب لنفسه ، إن النعم إنما تحفظ وتدوم وتزدادبالشكر ، وإن الشكر لا يكون باللسان وحده ، ولو أمسك الإنسان سبحة وقال ألفمرة " الحمد لله " وهو يضن بماله إن كان غنيا ، ويبخل بجاهه إن كان وجيها ،ويظلم بسلطانه إن كان ذا سلطان لا يكون حامدا لله ، وإنما يكون مرائيا أوكذابا . فاحمدوا الله على نعمه حمدا فعليا ،وأحسنوا كما تحبون أن يحسن الله إليكم ، |
|
|