|
![]() |
المشاركة رقم: 1 |
|
كاتب الموضوع :
Aya Zhran
المنتدى :
باب الفنون المسرحية
![]() المذهب الواقعي الشيء الواقعي هو الذي تحول إليه الشيء الطبيعي بعد أن تأثر بعوامل خارجية طارئة، والعوامل التي صنعها المجتمع بما تواضع عليه من تقاليد وآداب. لم يكن من المنتظر أن تنحسر تلك الموجة الرومانسية الهائلة التي اجتاحت الأدب الفرنسي على يدي فكتور هوجو، وبتلك السرعة لتحل محلها موجة عاتية من المذهب الواقعي، على أيدي ستندال، وبلزاك، وفلوبير وغيرهم. ويعدّ الكاتب "هنري بايل" الذي عرف في عالم الكتابة باسم "ستندال" أول زعماء المذهب الواقعي في فرنسا، وهو الذي حفلت حياته بضروب من الشجاعة والمجد، حيث شهد الكثير من معارك نابليون، كما حضر نكبة الجيش الفرنسي في موسكو. وكانت قصة ستندال الخالدة "الأحمر والأسود" أول محاولة جدية في إحلال المذهب الواقعي محل المذهب الرومانسي في فرنسا، وقد وصف فيها الحياة المعاصرة وصفاً واقعياً بعيداً عن أية مسحة رومانسية، بل سلك طريقاً مضاداً للرومانسيين فبشّر في قصته هذه بمذهب القوة. ثم ظهر إلى جانب ستندال، من كتاب القصة الواقعية الفرنسية، "بلزاك" الذي وصفه الناقد سانت بيف فقال: "إنه أعظم رجل أنجبته فرنسا". وقد تأثر بلزاك في أول نشأته بالمذهب الرومانسي، لكنه أفاق ولم يترك صنفاً من الناس إلا وصفه، ولا جماعة من الجماعات إلا أعطى منها صورة لا تبرح مخيلة قارئها، لا يبالي إذا كان يصف ملكاً أو ملكة أو قائداً أو أديباً أو شاعراً أن يقفز فيصف طباخاً أو جندياً أو جزاراً أو فلاحاً عادياً، ويصفهم بالصدق نفسه الجريء الذي لا يبالي وبالحرارة نفسها، ثم هو يثب من الوصف العام إلى الوصف الخاص الدقيق الذي يتغلغل في أعماق المشاعر ودنيا الأسرار، ملوناً صوره الواقعية هذه بلمحات حلوة جذابة من المذهب الرومانسي، لكنه لا يسمح لهذه اللمحات بالطغيان على الأصل، وهذا كله موشى بالنظرات الفلسفية، والدراسات والتحليلات الرقيقة، مما جعله زعيم المذهب الواقعي ومرسي دعائمه. أما "جوستاف فلوبير " فحسبه أنه منشئ أروع قصة في الأدب الواقعي كله وهي قصة "مدام بوفاري"، والقصة صورة بارعة للحياة الريفية الفرنسية في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، وصف فيها فلوبير الطبقة البرجوازية التي نشأ هو منها. ويعد "إبسن" إمام المدرسة الواقعية في المسرح الحديث، لأنه كان أقوي كتاب هذه المدرسة في أوروبا كلها. والكاتب الواقعي في المسرح لا ينقل الحياة الواقعية نقلاً حرفياً أو نقلاً فوتوغرافياً كما يفعل الكاتب الطبيعي، بل هو يلخصها ويعطي جوهرها، والمسرحية الواقعية لا يشترط أن تكون مسرحية تعليمية، أي موضوعة لغرض تعليمي أو للتبشير بفكرة معينة، وإن كان من المستحسن أن تكون كذلك، حتى لا تكون مجرد ترف ذهني أو متعة للتسلية في الفراغ، كما هو الشأن في أكثر المسرحيات الرمزية والسريالية. لكن المكروه، بل غير الجدير بالمسرحية الواقعية أن تكون بوقاً من أبواق الدعاية لنظام معين، لأنها بذلك تجافي الفن وتدجل على الذهن وتمسخ حرية الفكر، وأجمل المسرحيات الواقعية ما كانت صادرة عن فكرة إنسانية تعود بالخير على عقول الناس وقلوبهم وأذواقهم وتزيدهم إنسانية، وترهف فيهم مشاعرهم الفنية، وتضاعف فيهم الإحساس بالجمال والحق والخير. وكلما كانت المسرحية الواقعية تطبيقاً أو عرضاً لمشكلة من مشكلات الحياة العملية، أو نقداً لوضع من الأوضاع العامة العالمية كانت مسرحية ناجحة. وفي هذا كان إبسن يتفوق على مقلديه من الواقعيين المحدثين الذين يتناولون في رواياتهم الأفكار التجريدية التي تغرق في فلسفتها المشكلة الحية. |
![]() |
![]() |
![]() |
المشاركة رقم: 2 |
|
كاتب الموضوع :
Aya Zhran
المنتدى :
باب الفنون المسرحية
![]() المذهب الرومانسي كما دالت دولة المسرح في اليونان القديمة والإمبراطورية الرومانية القديمة، ولم يكن اليونانيون أو الرومانيون يعرفون كلمة "كلاسيكي" أو المذهب "الكلاسيكي"، كذلك عاش شكسبير ومعاصروه من الشعراء المسرحيين الرومانسيين وهم لا يعرفون تلك الكلمة "رومانس" Romance أو المذهب الرومانسي، وإن كان مسرحهم قد عاش حياة رومانسية خالصة، تماماً كما كان المسرح اليوناني القديم والمسرح الروماني القديم في حالة حياة كلاسيكية خالصة. ذلك أن كلمة "رومانس" لم تظهر في إنجلترا إلا حوالي عام 1654م، وكان معنى "رومانس" حينئذ "القطعة الأدبية" أو "الأثر الأدبي" الذي يشبه الرومانس أو Romanz كما كان هجاء الكلمة في اللغة الفرنسية القديمة. والرومانس كما كانوا يعرفونها في العصور الوسطي هي القصة الطويلة التي تصور المجتمع الارستقراطي، كما تصور المثل الفروسية العليا تصويراً يقوم على المغامرات والبطولة والغرام العذري الذي يشبه العبادة. وقد وضع "هنريك هيني Heinrich Heine" الألماني "1797- 1856م" تحديداً قصيراً يسيراً لتوضيح الفرق بين المذهبين الكلاسيكي والرومانسي، وهو فرق كبير لا شك فيه. قال هيني: "إن الكلاسيكية هي مذهب القيود، المذهب الذي يحدد الأهداف ويقف عندها، فتري الأديب أو الفنان الكلاسيكي يلتزم القوانين الصارمة التي تدور في قيودها فكرته، فهي دائماً تبدو في إطار محدود مادي، أما الرومانسية فهي مذهب الانطلاق، مذهب العاطفة والحرية، المذهب الذي يطير بأجنحة قوية في عالم الروحانيات غير المحدود، وهو لهذا يوجب على الأديب أو الفنان أن يجعل الرمز أهم أدواته". والمذهب الرومانسي هو مذهب العاطفة التي تحرك الأحياء جميعاً، وتتلاعب بهم وتوجههم وتستبد بهم أشد مما يستبد بهم القضاء والقدر كما في المسرحية الكلاسيكية. كما أن المذهب الرومانسي لا يتقيد بالوحدات الثلاث: وحدة الفعل، وحدة الزمان، وحدة المكان. فشكسبير يجمع إلى العقدة الأساسية في كل مسرحية من مسرحياته أكثر من عقدة ثانوية، وهو لا يقتصر على قصة أو حكاية واحدة تتسلط عليها جميع الأضواء. والشعراء المسرحيون الرومانسيون يشبون العواطف في نفوس شخصياتهم ونفوس المتفرجين شباً عنيفاً، ويشيعون في المسرحية وفي المسرح جواً من الترقب والاستغراق، وهو الجو الذي تسبح فيه العواطف في الجنة والجحيم على السواء. والمذهب الرومانسي لا يعنى إلا بذات الفرد ودخيلة نفسه، ومن هنا كان جمال الأدب الرومانسي كله، الجمال الذاتي، جمال الروح الإنساني في فطرته التي فطره الله عليها. والمنطق في المسرحية الرومانسية منطق فردي ضعيف، منطق هوائي، منطق تربى في ريح العاطفة المتقلبة التي لا استقرار لها. ويعدّ مارلو "1564- 1593م" معاصر شكسبير، الذي ولد معه في عام واحد، أول ثائر على قواعد المذهب الكلاسيكي، وتلميذ مكيافيللي صاحب المبدأ السياسي "أن الغاية تبرر الوسيلة ووجوب أن يتذرع الحاكم بكل ما يجعله قوياً غلاباً وصاحب كل سلطة في بلاده". ولم يكن مارلو وحده الذي ضرب بقواعد المذهب الكلاسيكي عرض الحائط، بل شاركه في هذا معظم خريجي الجامعات البريطانية من اللامعين، وكان منهم من استعمل النثر لأول مرة في المسرحية، ثم بدأ عصر المآسي في تاريخ المسرح الإنجليزي، وهو العصر الذي تبلور فيه شكسبير، بطل الرومانسية العميقة. وقد بهر شكسبير العالم كله بطريقته العجيبة في تصوير دخائل النفس الإنسانية، وما تجيش به من عواطف وأهواء. ويعدّ وليم شكسبير ظاهرة فنية فذة في تاريخ المسرح، وقد كان ينظم مسرحياته في إنجلترا في أواخر القرن السادس عشر وأوائل القرن السابع عشر الميلادي، وكأنه كان ينظمها للعالم جميعاً وللزمان كله، إلا أن الإنجليز جهلوه أكثر من قرن ونصف القرن حتى عرّفه إليهم الناقد الألماني " شليجل Schlegel 1767 - 1845 م، فأفاقوا إلى أنهم يملكون أديباً أثمن من إمبراطوريتهم. |
![]() |
![]() |
![]() |
|
|